sayedpen sayedpen
عدد المساهمات : 72 تاريخ التسجيل : 02/04/2010 العمر : 57 الموقع : الا نس والجــــــــــن
| موضوع: ما بين الدولة الدينية والمدنية الجمعة 4 مارس 2011 - 18:05 | |
| نظرا لأهمية هذا الموضوع وخطورته في الحياة فقد كتب قيه كثير من المتخصصين وغيرهم كلاما كثيرا وفى الواقع عندما يذكر اسم الدين في أي مكان أو زمان نجد الكثيرين ممن يتخوفون منه يعلنون هجومهم عليه لمجرد الهجوم بلا مبرر عقلي أو علمي مقبولا مخالفين بذلك المنهج العلمي في البحث والحوار وفى هذا يقول الفقيه القانوني دكتور يحيى الجمل كنت أتصور أن هذه القضية قد انتهت منذ زمن بعيد ولكن السنوات الأخيرة أظهرت أنها استيقظت من جديد. ولكي نقدم للقارئ رأينا حول هذا الأمر فإننا يجب علينا أن نعرف أولاً معني الدولة الدينية، وهل يعرف الإسلام هذه الدولة الدينية، وهل عرفتها المسيحية في وقت من الأوقات. وبعد ذلك نعرض للدولة المدنية ومعناها أيضًا، وهل في الأديان عامة والإسلام خاصة ما يرفض الدولة المدنية أم لا وهناك مسألة أخري قد تحسن الإشارة إليها وبيان صلتها بكل من الدولة الدينية والدولة المدنية ألا وهي (العلمانية) وهل الدولة العلمانية مرادفة للدولة المدنية أم أن هناك تمايزًا بينهما وأنا أعرف أن هذه مسائل قد تبدو دقيقة ولكن معرفتها والإحاطة بمضمونها مهمة جدا ونحن في هذه المرحلة من مراحل التحول، وسأحاول قدر استطاعتي تبسيط هذه الأمور مع الحفاظ علي الطابع العلمي الميسر ونحاول بداية أن نوضح معني الدولة الدينية، من الناحية التاريخية فقد كانت السلطة في الماضي القديم تنتمي إلي (اللّه) وكان بعض الفراعنة في الماضي آلهة وبعضهم تواضع واعتبر نفسه ابنًا للإله. ثم تطورت الأمور بعض الشيء لكي يكون الحكم بمقتضي الحق الإلهي المقدس، وهذه الصور القديمة كلها كانت من صور الدولة الدينية قبل ظهور الأديان السماوية،وهكذا نري أن الدين حتى الدين البدائي قديما اختلط بالدولة وصبغها بصبغته. ولما جاءت اليهودية بعد ذلك وأنزل الله الوصايا العشر علي سيدنا موسي عليه السلام بدأت في الظهور الدولة الدينية ولكنها كانت دولة لمجموعة من الناس هم بنو إسرائيل شعب اللّه المختار ولم تكن دولة لكل الناس ولم تكن صالحة للتقليد ولا للتصدير حيث كانت اليهودية دينًا لقوم بعينهم هم بنو إسرائيل، وقامت الدولة العبرية علي أساس هذا الدين وبلغت أوج ازدهارها ثم دمرت بعد ذلك على يد بنوختنصر وشتت أهلها في أركان الأرض وظلت الأمور هكذا إلي أن بدأت الحركة الصهيونية مرة أخرى واستطاعت أن تعيد بناء دولة إسرائيل عام ١٩٤٨ وحتى الآن، وأساس الدولة الديني واضح جدا وغير منكر ومن بعد اليهودية جاءت المسيحية ولكن المسيحية كانت تختلف كثيرا عن اليهودية في أنها دين للناس جميعا صحيح ان هذا الدين جاء أولاً لبني إسرائيل، ولكنهم أنكروه وحاربوه، وانتشرت بعد ذلك المسيحية عندما اعتنقها الأباطرة الرومان وأصبحت هي الدين الغالب في العالم كله وقتئذ وقد مرت علاقة المسيحية بنظام الدولة بثلاث مراحل، المرحلة الأولي هي التي ساد فيها مبدأ (دع ما لقيصرــ لقيصر وما لله ــ لله) ولم تعرف هذه المرحلة الدولة الدينية ذلك أن الدين الجديد كان يهدف أساسًا إلي نشر مبادئه والتبشير بالقيم الروحية من تسامح ومحبة وإخاء بين بني البشر، وكان يتفادى الصدام مع الأنظمة الحاكمة. ولكن المسيحية بعد انتشارها وبعد أن أصبحت الكنيسة هي أكبر مالك للأرض وأصبحت قوة روحية وسياسية هائلة استطاع باباوات الكنيسة أن يفرضوا سلطانهم علي الدولة حيث كان الحكام يكتسبون شرعيتهم من الكنيسة وكان الباباوات هم الذين ينصبون الأباطرة، وكانت الكنيسة إذا سحبت من هؤلاء الملوك شرعيتهم فإن الرعايا ما كان يجب عليهم طاعة هؤلاء الحكام. وفي هذه الفترة نستطيع القول أن أوروبا عرفت الدولة الدينية. وبعد أن بدأ عصر التنوير وعصر الإصلاحات الدينية بدأت العودة من جديد إلي مبدأ ( دع ما لقيصر ــ لقيصر وما لله ــ لله)، وبقيام الثورة الفرنسية الكبرى عام ١٧٨٩ انتهت تمامًا فكرة الدولة الدينية في أوروبا وتم الفصل بين الدين والدولة مع تقرير حرية التدين والاعتقاد كحريات سياسية ودستورية. وإذا كانت المسيحية قد بدأت في قلب الدولة- الإمبراطورية الرومانية- فإن الإسلام- علي عكس ذلك- بدأ في بيئة صحراوية بدوية لا تعرف معني الدولة ومن هنا يمكن القول بأن رسالة الإسلام الجديدة بكل ما حملته من أفكار وقيم ومبادئ وأخلاق هي التي أدت إلي ظهور هذه الدولة الإسلامية في هذا الركن من العالم، وقد بدأت الدولة الإسلامية الأولي في المدينة المنورة وكان الرسول صلوات اللّه عليه هو مُبلغ الرسالة من ناحية وهو الذي يمارس سلطة الحكم من ناحية أخري، ومن هنا نجد عمق الارتباط بين ظهور الدولة ونشأتها وبين هذا الدين كرسالة جديدة للعالمين وعندما توفي الرسول صلي الله عليه وسلم وانقطع الوحي بدء التساؤل بين العلماء عن الحاكم من بعده هل هو خليفة الله علي الأرض أم هو خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والفرق واضحا تمامًا بين الأمرين، وإذا كان الرأي الغالب أن الخليفة هو خليفة الرسول وليس خليفة الله وإذا كان الرسول بشرا معصوما قد تلقى الوحي من الله تعالى فإن خلفاءه من البشر يخطئون ويصيبون ويحاسبون، وإذا كان المسلمون أعلم بشؤون دنياهم وأمرهم شوري بينهم، فإن الرأي الراجح لدي المفكرين الإسلاميين أن الإسلام لا يعرف الدولة الدينية، ولكن هناك واحدة من الفرق الشيعية هم الشيعة الامامية يقولون بولاية الفقيه وبذلك يقتربون من فكرة الدولة الدينية. هذا عن التطور التاريخي لفكرة الدولة الدينية التي لم يعد يقول بها أحد في العصر الحديث إلا بعض غلاة اليهود وبعض غلاة ما يعرف باسم المسيحية الصهيونية وبعض غلاة الشيعة، أما ماعدا هؤلاء فهم لا يعرفون إلا الدولة المدنية فما هو مفهوم الدولة المدنية ؟ إذا كانت المرجعية في الدولة الدينية مأخوذة من شرع الله تعالى ومضمون أحكامه كلها تدور حول نطاق البشر وصلاحهم وفلاحهم وفق عقولهم المختلفة والمتفاوتة فإن المرجعية في الدولة المدنية هي أيضا راجعة لإرادة الناس وفكرهم المتفاوت والمختلف، ذلك أن الدولة المدنية تقوم علي مبدأ أساسي مقتضاه أن إرادة الناس هي مصدر كل السلطات ومرجعيتها النهائية. وتقوم علي أساس القانون وتبني فكرة النظام الديمقراطي وتقوم أيضا علي أساس مبدأ المواطنة أي أن مواطنيها جميعًا- مهما اختلفت أصولهم العرقية أو معتقداتهم أو أفكارهم أو دياناتهم- هم لدي القانون سواء في حقوقهم المدنية والسياسية. وتوشك دول العالم كلها أن تكون الآن دولاً مدنية، وقد تكون الجمهورية الإسلامية الإيرانية ودولة إسرائيل- علي ما بينهما من اختلاف شديد- هما المثلان المعاصران القريبان من فكرة الدولة الدينية. ويجري الآن تساؤلا خاصا بمصر لابد أن نتعرض له هل المادة الثانية من الدستور- بعد تعديلها عام ١٩٨٠- تبعد مصر عن الدولة المدنية وتقربها من مفهوم الدولة الدينية، هذا سؤال دقيق ويثير كثيرًا من الحساسيات وكثيرًا من المناقشات في هذه الأيام ؟ كانت المادة الثانية عند أصل وضعها في دستور ١٩٧١ تقول «الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية ومبادئ الشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع وعدلت هذه المادة عام ١٩٨٠ لكي تقول «… ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع »الحقيقة أن الهدف الأساسي من وراء هذا التعديل هو كما قلت أكثر من مرة كان للتغطية علي سوءات تعديل المادة ٧٧ من الدستور، التي أطلقت مدد الرئاسة إلي أبد الآبدين، وقد وصفت تعديل المادة الثانية بأنه نوع من النفاق السياسي ودغدغة لمشاعر الجماهير أكثر منه توجهًا نحو فكرة الدولة الإسلامية وجاءت المحكمة الدستورية العليا فحكمت بأن هذا التعديل يخاطب المشرع ولا يخاطب القاضي وأن مبادئ الشريعة الإسلامية التي تعتبر كذلك- المصدر الرئيسي- هي المبادئ قطعية الثبوت قطعية الدلالة وهذه بطبيعتها محدودة للغاية، ذلك أن الغالبية الكبرى من الأحكام الشرعية فيها اجتهادات واختلافات كثيرة بين الفقهاء المسلمين والمذاهب المختلفة، بل إنه بين فقهاء المذهب الواحد تتعدد الآراء ومن ثم فإن حكم المحكمة الدستورية الذي اقتضي شرطي قطعية الثبوت وقطعية الدلالة جعل تطبيق هذه المادة شديد المحدودية والضيق وتقديري أن التفكير في تعديل هذه المادة وإعادتها إلي أصلها الآن قد لا يكون هو أفضل الخيارات السياسية، ومع ذلك فإن هذه المادة حتى بعد تعديلها لا تجعل من مصر دولة دينية وإن كانت بيقين تزيد نظريا من مساحة المرجعية الدينية للتشريع في الدولة. تبقي بعد ذلك كلمة أخيرة عن (العلمانية) بفتح العين الدولة العلمانية ضد الدولة الدينية وضد أي تأثير للدين علي الدولة. والدولة العلمانية والدولة المدنية لا يتطابقان، ذلك أن الدولة العلمانية في جوهرها مناهضة للدين، وأن الدولة المدنية تقر حرية الأديان والعقائد وتحترم اختلافات الناس في معتقداتهم ولا تفرق بين المواطنين أي تفرقة علي أساس الدين. ولعل أخطر ما في الدولة الدينية- وهو ما يدعو إلي قول «لا» بالنسبة لها- أنها تجعل الحاكم يتكلم باسم اللّه ومن ثم لا تجوز مراجعته ولا مساءلته وبهذا ينفتح الباب واسعًا للاستبداد باسم الدين وهو أسوأ أنواع الاستبداد الذي لا يضاهيه استبدادا إلا ما كنا نعانيه في بلادنا واللّه المستعان تحياتي وتقديري | |
|