الصدق أساس الحسنات وجماعها، والكذب أساس السيئات ونظامها،
وأن الإنسان هو كائن حي ناطق، فالوصف الفاصل له عن غيره من الدواب هوالمنطق والكلام، والمنطق قسمان : خبري وإنشائي والخبر صحته بالصدقوفساده بالكذب، والكلام الخبري هو المميز للإنسان،
و الكلام الإنشائي، مظهر العلم، والإنشاء مظهر العمل،
والعلم متقدم على العمل وموجب له،
فالكاذب لم يكفيه أنه سلب حقيقة الإنسان وقلبها إلى ضدها،
ولهذا قيل: لا مروءة لكذوب، ولا راحة لحسود، ولا إخاء لملوك،
ولا سؤدد لبخيل، فإن المروءة مصدر المرء كما أن الإنسانية مصدرالإنسان. وأن الصفة المميزة بين النبي والمتنبئ هو الصدق والكذب؛
فإن محمدا رسول الله الصادق الأمين ومسيلمة الكذاب
قال الله تعالى :{فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَبِالصِّدْقِ إذْ جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ .وَالَّذِي جَاء بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ}.
وأن الصفة الفارقة بين المؤمن والمنافق هو الصدق،
وفي الصحيحين عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليهوسلم «ثلاث من كنفيه كان منافقا: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف،
وإذا اؤتمن خان » وأن الصدق هو أصل البر، والكذب أصلالفجور،
كما في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
«عليكم بالصدق فإن الصدق يهديإلى البر،
وإن البر يهدي إلى الجنة، ولا يزال الرجل يصدق
ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا،
وإياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور،
وإن الفجور يهدي إلى النار، ولا يزال الرجل يكذب
ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا ».
وأن الصادق تنزل عليه الملائكة والكاذب تنزل عليه الشياطين
كما قال تعالى :{هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ}
{ تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّأفاك أَثِيمٍ} {يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ}.
وأن الفارق بين الصديقين والشهداء والصالحين
وبين المتشبه بهم من المرائين و غيرهم هو الصدق والكذب.
وأنه مقرون بالإخلاص الذي هو أصل الدين في الكتاب . . .
وكلام العلماء والمشايخ قال الله تعالى
{وَاجْتَنِبُوا قَوْلَالزُّورِ} {حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَمُشْرِكِينَ بِهِ}
ولهذا قال صلى الله عليه وسلم:
«ألا أنبئكم بأكبر الكبائرالإشراك بالله وعقوق الوالدين»
وكان متكئا فجلس فقال:
«ألا وقول الزور ألا وشهادةالزور فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت» أنه ركن الشهادة الخاصة عند الحكام التيهي قوام الحكم والقضاء والشهادة العامة في جميع الأمور،
والشهادة خاصة هذه الأمة التي ميزت بها في قوله:
{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْأُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ}
وركن الإقرار الذي هو أصل شهادة المرء على نفسه،
وركن الأحاديث والأخبار التي بها يقوم الإسلام ؛
بل وهي ركن النبوة والرسالة التي هي واسطة بين الله
وبين خلقه،
وركن الإفتاء الذي هو إخبار المفتي بحكم الله .
وركن المعاملات التي تتضمن أخبار كل واحد
من المتعاملين للآخر بما في سلعته،
وركن الرؤيا التي قيل فيها : أصدقهم رؤيا أصدقهم كلاما،
والتي يؤتمن فيها الرجل على ما رأى .
وأن الصدق والكذب هو المميز بين المؤمن والمنافق
ووصف الله المنافقين في القرآن بالكذب في مواضع متعددة،
ومعلوم أن المؤمنين هم أهل الجنة
وأن المنافقين هم أهل النار في الدرك الأسفل من النار .
أن المشايخ العارفين اتفقوا على أن أساس الطريق إلى الله
هو الصدق والإخلاص كما جمع الله بينهما في قوله :
{وَاجْتَنِبُوا قَوْلَالزُّورِ} {حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ}
ونصوص الكتاب والسنة وإجماع الأمة دال على ذلك
في مواضع كقوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوامَعَ الصَّادِقِينَ} وقوله تعالى
{فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْكَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إذْ جَاءَهُ أَلَيْسَ
فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ} {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِوَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ}
وقال تعالى لما بين الفرق بين النبي والكاهن والساحر :
{وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّالْعَالَمِينَ} {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُالْأَمِينُ}
{عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَمِنَ الْمُنْذِرِينَ} {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ}
{وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِالْأَوَّلِينَ} إلى قوله :
{هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَىمَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ} {تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ}
{يُلْقُونَ السَّمْعَوَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ}
وقال تعالى:
{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِافْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إلَيَّ
وَلَمْ يُوحَ إلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُمِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ}
وقال تعالى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَآمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ
عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِوَالْأَقْرَبِينَ إنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا} .